مشاركة
9 الذاكرة العسكرية منذ أسبوع مركز الشهيد عثمان مكاوي

وثبـــة الصيـاد (1-3)

بقلم : رائد / محمد صالح عبدالكريم حسين

الملايين  من السودانيين على طول الطريق القومي كوستي ، الدلنج مروراً بالأبيض يتساءلون بصورة مباشرة وغير مباشرة جهراً أو سراً أو همسا عن متى يتحرك الصياد في نسخته الثانية ؟ متى سيخلصنا من عصابات الليل الذين يتسورون المنازل؟ متى ستتوقف إهدار انسانيتنا؟ متى تنتهي  فوضى القتل غير المشروع ؟ متى تتوقف معاناتنا مع  هذا الحصار ؟ والكثير من نوعية هذه  الأسئلة، كانت اغلب الأماني أن يتحرك الصياد لينهي كل هذه الفوضى، تمر الأيام والليالي إلى أن يحل ظلام ليلة الثلاثين من شهر تشرين الثاني نوفمبر  عام 2024م ليدخل رئيس مركز سيطرة متحرك الصياد غرفة الموقف ويجلس مع اعضاء هيئة السيطرة بحضور قائد متحرك الصياد الذي كان قد ارتدى لأمة الحرب  ببجامة عمليات صحراوية من نوعية مايرتديه أفراد القوات الخاصة ؛ كان المجلس مهيبا ومرتبا بصورة مزهلة تتوسطه  منضدة دائرية ذهبية اللون وارايك خشبية مكسوة بالجلد الأسود اللامع قبالة شاشة ضخمة على الحائط ؛ هذا المشهد أعاد بي الذاكرة إلى فترة عملي حارس أمن  في شركة  وايت روز متعددة الجنسيات التي زينت بمبناها الجميل قلب امدرمان نهاية التسعينات حيث كانت اجتماعات مجلس الإدارة على هذا الشكل المبهر  ، دارت مناقشات وإجراءات روتينية انتهت باستدارة نصف دائرية من اللواء الركن في الجيش ورئيس مركز سيطرة الصياد ليحدث  بكلمات مغتضبة فيما معناها (بناءاً على أمر التكليف الصادر إلى وحماية لمصالح شعبنا ودفاعا عن بلادنا وطردا للتمرد وتدميره فإنني اعتبارا من اللحظة اعطي الأمر بالتحرك) كانت هذه واحدة من أكثر اللحظات تأثيرا في تراجيديا معركة الكرامة ، من هنا سيبدأ تاريخ جديد سيسحق الصياد كل من في طريقه وسيفتح الكثير من المدن .

بعد استلامه لأمر التكليف عمليا بات العميد الركن في الجيش وقائد متحرك الصياد أقوى محارب سوداني على الإطلاق فبيده عندما يعطي الأمر بالتقدم  سيتحرك الآلاف من المغاوير الشجعان والمئات من الآليات والمركبات بإسناد كامل من المقاتلات  وقاذفات القنابل ومروحيات الابابيل وسلاح الطيران المسير والمدفعية بالإضافة إلى المردة والجن والعفاريت كما عشعش في تفكير الجنجويد الفارين من طريقه ؛ حدث هذا فعليا عندما اعطي قائد المتحرك الأمر صباح ليلة الأول من ديسمبر 2024م ، تحرك الصياد بكل هذا الصولجان والصخب من مواقعه إلى مدينة الغبشة.

اجتاح الصياد قرية الغبشة في السابعة صباحاً وسحق كل التمرد مدمرا ٧ عربة للجنجويد ومن نجا من السحق كان قد هرب إلى قرية  أم خيرين ، دخول الصياد إلى الغبشة ازعج الجنجويد فاستنفرو ما استطاعو من الرجال والسلاح ليعودوا مجدداً إلى مهاجمة مواقع المتحرك بقيادة سارق النعزة حسين برشم صباح الثلاثاء الثالث من ديسمبر في معركة استمرت حتى الثانية عشر منتصف النهار فيها تم شل قدرات العدو وقتل اغلب المهاجمين فدب الرعب في قلوبهم فحدثت حالات هرج ومرج تسبب فيها سارق النعزة شخصياً الذي هرب تاركاً كل مقتنياته بما فيها سراويله  داخل عربته التي اغتنمها الصيادون .

الملازم أول الطاهر مستعيدا ذكري تلك المعركة وكان قد أصيب فيها وتماثل للشفاء يحكي قائلاً : أطلقنا على تلك المعركة معركة ( ذات السراويل) في إشارة إلى سراويل قائد التمرد حسين برشم التي تركها ليولي الدبر لقد كانت معركة استثنائية امتلكنا فيها الحماس والعزيمة والروح التي مكنتنا من إنجاز  انتصار ساحق مهد لتحقيق كل نجاحات الصياد لاحقاً ، مقدرين لرجالنا الابطال وقائد المتحرك الذي مثل نقطة تفوق لنا في الميدان ففي الوقت الذي هرول قائد التمرد فارا من الميدان وتسبب في زعزعة ثقة جنجويده كان القائد ياسر الفريع في قلب المعركة بشجاعة نادرة مصدراً لثبات الصياد ورمزا للقوة .

صباح الأحد  الثامن من ديسمبر عاود العدو الهجوم على قواتنا في الغبشة وكالعادة خسر وهرول بعد ساعتين لاحقة ويبدو أن هروب العدو كان هروب الوداع إذ أنه تيقن أن هذا الصياد بات جاهزاً لارعاب كل من في طريقه وهذا ماسيحدث بالفعل ، أنهى القائد العميد الركن في الجيش  ياسر الفريع مهمته  في تحرير بلدة الغبشة و تأمينها بنجاح مزهل كقائد لمتحرك الشهيد الصياد معبدا الطريق لقائد آخر  هو من سيتضح لاحقاً انه من  تربى على قصص المحاربين الكبار الرجل الذي سيحمل الراية وسيزحف على رأس جنده الممتازين إلى قلب عروس الرمال في رابعة النهار  جالبا الفخر والاعتزاز  والمجد له شخصياً وللصياد والقوات المسلحة وبلادنا وكل العالم الحر.

 اكتب مستعيدا  مع الصيادون مغامراتهم لاحظت أن مداد قلمي  ينساب كنسمة صيفية منعشة لا يراد لها التوقف ، بيد أنه مايجبر  على ذلك أن العزيز خالد عبدالقادر مدير التحرير لم يمنحنا ما يكفي من مساحة لننقل لقراء العربية فوق كل ارض وتحت كل سماء قصص وحكايات  احد أقوى التشكيلات العسكرية  المسلحة في أفريقيا وماسيعتبر لاحقاً أعظم مذودي التاريخ العسكري في عصرنا الجديد ، لذا نتوقف هنا على أمل المواصلة . 

عاجل الشفاء للجرحى الجنة والخلود للشهداء والصبر والثبات للمرابطين.