مشاركة
16 الاخبار منذ أسبوعين مركز الشهيد عثمان مكاوي

من القول

بقلم : بقلم : عقيد دكتور ركن أحمد يوسف النور

منذ نشأتها، مثّلت مليشيا الدعم السريع كياناً شاذاً عن أي قوة نظامية شرعية، إذ نشأت على أساس قبلي هش، تقوده أسرة واحدة تحتكم إلى الولاءات الضيقة بدلًا من الالتزام بالمعايير الوطنية والمؤسسية.  هذه المليشيا منذ البداية تميزت  بازدواجية في الولاء بين القبيلة الأم والانتماءات الفرعية، إلى جانب ارتهانها للخارج، وشراء الولاءات بدلًا من ترسيخ القناعات الوطنية. هذا التكوين المختل أفرز كياناً متمرداً، بلا رؤية، و بلا أهداف ، يتغذى على الفوضى، ويتنكر لكل القيم الإنسانية والقوانين و الأعراف المجتمعية و الدولية . ومع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، سقط القناع عن هذا الكيان، وظهر وجهه الحقيقى ؛ وجه لم تستطع إخفاءه حتى أكثر الحملات الإعلامية تطوراً.فبعد فشل محاولة تقويض السلطة الشرعية بالتمرد المباشر، لجأت المليشيا إلى استهداف المواطنين العزّل، فمارست القتل والاغتصاب والنهب والتجويع، واستخدمت المدنيين دروعاً بشرية، ودمرت المؤسسات الخدمية والتعليمية والصحية، حتى لم تسلم مدينة أو قرية من انتهاكاتها. هذا السلوك الوحشى أسقط عنها أى مشروعية أخلاقية أو سياسية، وفضحها أمام الداخل والخارج، وسرّع من عملية التآكل الداخلي، حتى أصبحت اليوم غير صالحة لأن تُقبل فى أي مشهد سياسى أو عسكرى ، محلياً أو دولياً. بموازاة هذه الانتهاكات، بدأت مؤشرات التفكك الداخلي بالظهور جلية: فى الإنشقاقات، الاغتيالات وسط قادتها، تصفية كوادرها، صراعات داخلية، اقتتال دموى بين مكوناتها القبلية، واتهامات متبادلة بالخيانة والتواطؤ والتآمر. إن ما يحدث داخل مليشيا الدعم السريع اليوم ليس مجرد خلافات، بل هو انهيار كامل، ناتج عن بنية هشة، ومشروع مدمّر، لم يقم على مبادئ أو أهداف وطنية، بل على مطامع شخصية والانتهازية السياسية. وإذا أمعنا النظر فى حجم التخريب الذى ارتكبته هذه المليشيا، يتضح أن ما جرى لم يكن عشوائياً، بل تخريب ممنهج ومدروس. استهداف مراكز البحوث، المتاحف، محطات الكهرباء والمياه، المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة كغسيل الكلى، وكيبلات الاتصالات الأرضية، كل ذلك يؤكد وجود مجموعات مدربة على التخريب، تعمل بتناغم مع المقاتلين، خاصة المرتزقة الأجانب المدعومين بخبراء دوليين.لم يكن هذا المشروع التخريبى يعمل فى فراغ، بل سُخّرت له آلة إعلامية ضخمة، ودُعِم سياسياً من الداخل والخارج، وتوفّر له تمويل وتسليح وخطط وغطاء دبلوماسى، لكنه رغم ذلك سقط سقوطًا مدوياً. لقد افتضحت جرائم هذه المليشيا بالصوت والصورة، موثّقة بأيديهم هم، ولم يعد بالإمكان تلميعها أو إعادة تدويرها سياسيًا. الشعب السوداني، الذي دفع ثمنًا باهظًا من دماء أبنائه ومقدراته، لن يقبل بعودة القتلة والمجرمين إلى المشهد لا بـ"كدمول" عسكرى ولا بقناع مدنى . أما أولئك الذين تورطوا فى التعاون مع المليشيا، فهم اليوم أكثر من يعض أصابع الندم. فقد رأوا أحلامهم تتبخر، ورهانهم على المشروع المتمرد يسقط. خسروا منازلهم وأماكن عملهم، ولفظهم الشعب السودانى ، ولم تنصفهم المليشيا، بل لم تسمح لهم حتى بالفرار معهم إلى مناطق سيطرتها. باختصار، مليشيا الدعم السريع تمثل نموذجًا صارخًا لفشل مشروع غير مؤسسى، قائم على الولاء القبلى والانتهازية السياسية. وسقوطها هو بداية نهاية عهد الفوضى، وبداية لانتصار الإرادة الوطنية الراسخة، التي لن تسمح بعد اليوم أن يُختطف الوطن مجدداً.