مشاركة
23 تحليل عسكري منذ 3 أسابيع مركز الشهيد عثمان مكاوي

حميدتى حكمدار مليشيا ابوظبى

بقلم : النقيب / محمد عبدالرحمن هاشم

الظهور الأخير لمحمد حمدان دقلو، قائد مليشيا الدعم السريع والمدعوم إقليميًا، لم يكن مجرد محاولة إعلامية لبث الحياة في مشروع متهالك، بل كان محاولة استباقية لوقف النزيف المعنوي والسياسي والعسكري لقواته، ورسالة مشفرة لأطراف إقليمية ودولية تعبث بالسودان من بعيد. ولكن القراءة العميقة لذلك الظهور تفتح أبوابًا أكثر خطورة، وتعكس تغيرًا في قواعد الاشتباك.

 أولًا: التوقيت… والارتباك 

الظهور جاء بعد صمت طويل دام شهورًا وهو في حد ذاته مؤشر ارتباك لا ثقة. دقلو كان يعلم أن مجرد ظهوره سيكشف الكثير:

• حجم الانهيار في صفوف قواته التي تفككت في أكثر من محور.

• غياب القيادة الميدانية المباشرة، وظهور أجنحة داخلية تتصارع على ما تبقى من غنائم الحرب. 

• الضغط الكبير من الممول الإماراتي لتقديم “ما يثبت” أن المشروع لا يزال حيًّا، خاصة مع تقدم القوات المسلحة في بحري وأم درمان وتراجع قدرات الدعم السريع في دارفور.

 ثانيًا: تحليل الخطاب الجسدي واللفظي 

• بدا مرهقًا، ضعيفًا، وتائهًا، على عكس خطاباته النارية السابقة.  

• لم يُظهر قوة تنظيمية أو تصورًا سياسيًا واضحًا، بل كانت كلماته مشوشة وتحمل نبرة دفاع لا هجوم. • ظهرت محاولات بائسة لاسترضاء الداخل والتقرب من “الضباط” رغم علمه بأن معظم قادته الميدانيين إما قتلوا أو انقلبوا عليه. 

ثالثًا: الرسائل الخفية وراء الظهور • رسالة موجهة إلى أبوظبي تقول: “أنا ما زلت القائد ولو شكليًا”. • رسالة إلى تشاد وجنوب ليبيا مفادها أن الحرب لم تنتهِ ويجب استمرار تدفق المرتزقة.  

• رسالة غير مباشرة إلى إسرائيل عبر الإمارات: “نحن لا زلنا ورقة ممكن استخدامها ضد الجيش الوطني السوداني.”

رابعًا: الدلالات العسكرية الميدانية

• لا حديث عن خطة أو تقدمات أو أهداف عملياتية، ما يعني أنه خارج غرفة العمليات تمامًا.  • الانقطاع الطويل دليل على أنه إما تحت الحجر السياسي أو الاختفاء الإجباري، وليس بإرادة حرة.

• الظهور لم يصحبه أي ترويج ميداني من مليشياته، مما يعني أن القيادة الميدانية انفلتت من يده.

خامسًا: انعكاس ذلك على مسار الحرب 

• الظهور كشف نهاية مرحلة “القيادة المركزية للمليشيا” وبدأت مرحلة تفكك المليشيا إلى عصابات صغيرة ومجموعات ولاءات قبلية.

• رفع الروح المعنوية للجيش الوطني والشعب السوداني الذي يرى اليوم انهيار “رموز الفتنة”.  • ساعد في تصفية الصورة الذهنية التي كانت تروّجها وسائل إعلام إقليمية بأن “دقلو ما زال يملك زمام المعركة”. 

سادسًا: قراءة استخباراتية

• المخابرات العسكرية السودانية ترصد منذ شهور تحركاته، والظهور ذاته قد يكون مصيدة إعلامية مرتدة تم تسريبها أو إقرارها ضمنيًا لإبراز ضعفه.  

• الغياب الإعلامى للدول الداعمة له بعد الظهور يعكس تخليًا تكتيكيًا بانتظار بديل أكثر فاعلية (قد يكون أحد قادة المليشيا الآخرين).

 • قد تُدفع بعض الأطراف الإقليمية لإشعال “معركة يائسة أخيرة” لإنقاذ ماء وجه المشروع، وهذا ما يتطلب جهوزية قصوى للجيش.

سابعًا: التوصيات الاستراتيجية

1. تكثيف الضربات الميدانية بعد الظهور مباشرةً، خاصة في كردفان ودارفور ”.

 2. إسقاط الرمزية الإعلامية لدقلو بإبراز الضعف والشتات داخل مليشياته.

 3. توجيه الحرب النفسية نحو الممولين عبر نشر معلومات استخباراتية حول تمويل المرتزقة وفشل المشروع الإماراتي.

 4. دعم الرؤية السياسية للجيش بوصفه العمود الأخير للدولة السودانية، ما بعد المليشيا.

 5. عدم الانخداع بهدوء ما بعد الظهور. فقد يكون تمهيدًا لهجوم عشوائي يائس، أو لعملية اغتيال داخلي لإغلاق ملف دقلو نهائيًا.

خاتمة:

 الظهور ليس دليلاً على حياة، بل إعلان موت سياسي وعسكري بطيء… وقد لا يظهر دقلو مجددًا حيًا إلا عبر نشرة نعي. أما الجيش السوداني، فهو الآن أمام لحظة تاريخية يجب فيها أن يُطبق على ماتبقى من الفتنة، ويمضي في تنظيف تراب الوطن بلا تردد