مشاركة
13 آراء وافكار منذ أسبوعين مركز الشهيد عثمان مكاوي

الجيش المنتصر ... هو من يكتب رواية التاريخ؟

بقلم : النقيب / محمد عبدالرحمن هاشم

هكذا علمتنا كتب التاريخ، وهكذا تسير الأمم في حروبها الطويلة، لا فقط بالبندقية والدبابة، بل بالكلمة، بالذاكرة، وبمن يسبق خصمه إلى العقول. وفي حرب السودان التي تعصف بالوطن منذ أكثر من عام، تقف القوات المسلحة السودانية صلبة كجدار النيل، لا لأنها تملك السلاح وحده، بل لأنها – حتى اللحظة – لم تفقد سرديتها الكبرى: أنها تقاتل نيابة عن الدولة، عن الشعب، عن الفكرة السودانية الأصيلة، ضد مشروع تفكيكي دخيل ومسلّح. - لكنّ السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن، قبل الغبار الأخير، هو:

هل نحن نكتب هذه الرواية كما يجب؟ أم سيكتبها العدو حين نصمت؟ 

- من يكتب التاريخ؟

  التاريخ لا يكتبه الفائز دائمًا، بل يكتبه من يسرد قصته أولاً، ويقدّمها للعالم، ويدوّنها في دفاتر الشعوب. وهنا تكمن الخطورة: أن يتحوّل جهد الجيش وتضحيات رجاله إلى مجرد أرقام أو أخبار متناثرة، في حين أن العدو يُعد عشرات المنصات ويُموّل آلاف الحسابات لقول روايته، وتحريف الحقيقة، وتحويل القاتل إلى ضحية. لقد فهم العدو أن معركة الوعي لا تقلّ أهمية عن معركة السلاح، فبدأ في تجنيد المؤثرين، واستنساخ صفحات، ونشر وثائقيات مضلّلة، تستهدف الأجيال القادمة قبل أن تعي ما جرى. 

 - من يصنع المجد؟

الجيش الذي يقاتل، ويصمد، ويُقدّم آلاف الشهداء، لا يُكتب عنه فخره تلقائيًا، بل يجب أن تُصنع له ملاحمه، تُكتب أسماؤه، تُحفر وقائعه، وتُوثق رواياته من قلب الميدان، لا من مكاتب المتفرجين. - نحن بحاجة إلى رواية سودانية خالصة، تحفظ أسماء “الكمائن”، وتوثق “خطوط النار”، وتنقل وصايا “الشهداء”، وتشرح للناس لماذا لم تسقط القيادة، ولماذا ما زال العلم مرفوعًا في بورتسودان.

-  معركة الكلمة 

 لا تقل أهمية عن معركة البندقية ما لم نخض معركة الرواية بصدق وشجاعة، فإن كل دمٍ سال على التراب قد يضيع في سرديات مضلّلة. فالمعركة اليوم ليست فقط عن تحرير شارع، أو صدّ هجوم، بل عن من يملك صوت الحقيقة.

ونحن في الجيش، نعلم أننا لم نُهزم، وأن عدونا خسر الأخلاق قبل أن يخسر السلاح، لكن إن لم نقُلها نحن، سيقولها غيرنا بكذبٍ واحتراف.

-  خاتمة المقال:

  الجيش الذي لم يُهزم، هو الجيش الذي يكتب نفسه في ذاكرة أمته. لا تنتظروا من الأبواق أن تحكي قصتكم… اكتبوا للخلود.