مشاركة
2 من القول منذ يوم مركز الشهيد عثمان مكاوي

تأسيس ووهم الحكومة الموازية

بقلم : عقيد دكتور ركن أحمد يوسف النور

رغم الانهيار العسكري المتسارع لمليشيا الدعم السريع، والانكشاف السياسى الكامل لحاضنتها السياسية التى تسمى بـ»تأسيس»او «صمود» و ما تحمل من أسماء أخرى، لا تزال بعض الأطراف المحلية والدولية تراهن على إعادة تدوير مشروع «الاتفاق الإطاري» المقبور ومشتقاته، فى محاولة يائسة لإحياء مسار سقط أخلاقياً وشعبياً وعسكرياً. منذ اندلاع الحرب، لم تتوقف المليشيا، ولا حلفاؤها من «تقدم» و»صمود»، عن السعى للعودة إلى المشهد السياسي السودانى عبر طرق ملتوية، وأدوات مكشوفة النوايا. فقد كانت الحرب – في جوهرها – ممراً دامياً لإعادة إنتاج ذات النخبة التى لفظها الشعب السودانى ، تحت لافتات جديدة لا تخدع إلا من أراد أن يُخدع. ويؤكد ذلك توقيع «إعلان أديس أبابا» في 2 يناير 2024 بين المليشيا و»تقدم»، كاشفاً عن التحالف العضوي بين الجناحين السياسي والعسكرى لهذا المشروع. الإعلان لم يكن سوى محاولة لإضفاء شرعية سياسية على مليشيا متمردة، عبر تجاهل صارخ لإرادة السودانيين الذين يدفعون فاتورة دم يومية جراء هذه المؤامرات . وفي 25 أبريل 2024، احتضنت باريس مؤتمرًا حول الشأن السوداني والدول المجاورة، لكنه لم يخرج عن كونه منصة دعائية لمنح المليشيا و»تقدم» شرعية مفقودة. ومع أن المؤتمر حشد دعماً خارجياً ، إلا أنه افتقر إلى السند الشعبى ، فخرج كما دخل: بلا أثر فعلى على الأرض. أما ذروة العبث فكانت في 22 فبراير 2025، عندما أعلنت المليشيا ومعها حلفاؤها السياسيون تشكيل حكومة موازية من نيروبي، فى إعلان لم يجد أي قبول داخلى أو خارجى، وقوبل بالرفض حتى من بعض شركائهم السابقين، ليبقى مجرد محاولة يائسة للهروب من الواقع السياسى والعسكري المأزوم. وعسكرياً منذ فترة طويلة ، لم تحقق المليشيا أي اختراق استراتيجي، بل فُرض عليها الهروب من الخرطوم و كل مناطق الوسط، وها هي اليوم تواجه عمليات عسكرية واسعة النطاق فى كردفان من قِبل قواتنا المسلحة و هى تزحف إلى دارفور. وفى الفاشر تحديداً، بلغ عدد محاولات إسقاط المدينة أكثر من 223 محاولة (حتى 21 يوليو 2025)، باءت جميعها بالفشل فقدت فيها المليشيا أكابر مجرميها، ما أدى إلى انهيار سيناريو إعلان الحكومة من داخلها، فاضطروا إلى إعلانها من نيالا، في خطوة لم تقل سذاجة عن ما سبقها من مؤامرات . ومع تتابع الهزائم، عادت الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) للبحث فى الملف السودانى ، وتزامن ذلك مع إعلان «تأسيس» لحكومة موازية لا تملك اعترافاً ولا سنداً شعبياً . غير أن اجتماع الرباعية نفسه  فشل فى الانعقاد ، مما شكّل صفعة جديدة لمشروع إعادة   المليشيا و حليفها «صمود» «تأسيس» إلى المشهد السياسى السودانى مجدداً وأكّد أن من يظنون أن السودان يُدار من خارج حدوده إنما يطاردون سراباً. 

 هل هي النهاية ؟

 بالقطع لا. هذه ليست المحاولة الأخيرة. لمشروع إعادة نفخ الروح فى جسد المليشيا المتهالك و إعادة الأمل إلى «قحت»، «صمود» فى ثوبها الجديد (تأسيس) مدعومة إقليمياً من الكفيل الإماراتي الذى ضخّ مليارات لدعم المليشيا وحلفائها السياسيين، ولن يقبل بسهولة هزيمة مشروعه فى السودان. ومع كل فشل عسكرى ، يسعى إلى إثبات الوجود عبر واجهات سياسية لا مكان لها فى الواقع .  معركة وعي لا تقل ضراوة  معركتنا اليوم ليست فقط عسكرية، بل معركة وعى وصراع بين مشروع وطنى  يسنده الشعب، وآخر مشبوه تديره أجندات خارجية تتحدث عن الديمقراطية، بينما تمارس أبشع الجرائم بحق المدنيين، وتغتال الإرادة الوطنية باسم «المدنية».

لكن الشعب السودانى ، الذي عرّى المليشيا ولفظ مشروعها عسكرياً، قادر على إسقاطه سياسياً ودفنه وطنياً. هذا وطن لا تُحكم إرادته بالمؤتمرات المدفوعة الأجر ولا تُحدد خياراته من الغرف المظلمة فى  الخارج. فالسودان يُبنى بالدماء الوعى والوحدة خلف جيشه الوطنى ، لا عبر  سياسيين عملاء ولا مقاتلين مرتزقة.