مشاركة
20 مقال الخميس منذ 3 أسابيع مركز الشهيد عثمان مكاوي

لِـمَن نَكتُب؟

بقلم : عقيد الزاهر ميرغنى

علاماتُ استفهامٍ كبرى ارتسمت في داخلى ، وأسئلة لا تُعدّ ولا تُحصى راحت تدور في خاطري: لِمن نكتب؟ وماذا نكتب؟ وما جدوى الكتابة في زمنٍ يعجّ بالخراب، ويضجّ بالقهر، ويئنّ تحت وطأة الجوع، والمرض، والبطالة، والدمار؟

نعم، قد يرى البعض أن الكتابة عاجزة عن تغيير هذا الواقع المرير، وأنّ حروفها لن تُطفئ لهيب المعاناة ولا تُنهى سلسلة الأحزان الممتدة...لكن، كلا وألف كلا.

الكتابة، وإن بدت للوهلة الأولى مجرّد حبر على ورق، إلا أنها كانت وستظلّ من أقوى أدوات التأثير، ووسيلةً فعّالة لنقل المعرفة والأفكار، وتوثيق الأحاسيس والمواقف، والتعبير عن أشواق الإنسان وآلامه وآماله.بالكتابة يتقدّم الإنسان في دروب العلم والمعرفة.وبها تنفتح الأبواب المغلقة، وتُضاء العقول المعتمة، وتُبعث في الأرواح حياةٌ جديدة. أحياناً نكتب ما نشعر به، ما نحسّه، ما نتمناه، وما نعانيه. وغالبًا ما نكتب لأنفسنا، بحثاً عن طمأنينة ضائعة، أو فرحٍ مؤجّل، أو حتى انشراحٍ مؤقت يسكب في النفس سكينة وسروراً. ما نكتبه، قد يراه البعض بديعًا يستحقّ القراءة، وقد يجده آخرون معبّراً صادقاً، بينما يُعرض عنه قوم لا يرون فيه نفعًا أو معنًى. أما أنا، فأكتب «لأتنفّس» ... أكتب من أجل غدٍ مشرقٍ، مفعمٍ بالأمل، تسكنه الطمأنينة، ويعمه السِّلم، ويظلله السلام، وينعم فيه الناس بالأمن، والرفاه، والكرامة. نعم، كثيراً ما ننكسر، فنكسر أقلامنا، ونصمت عن البوح، بحجّة أن لا أحد يقرأ، ولا أحد يُصغى ، حتى وإن كانت كلماتنا إجابةً صادقة لأسئلة مشروعة، ونداءات حقيقية من عمق الألم والوجع. لكن، تبقى الحقيقة قائمة: الكتابةُ هي الوعاءُ الأمينُ للمعرفة والتجربة، والمرآة الصادقة للروح والفكر. هي التي تحفظ الآراء، وتؤرّخ اللحظات، وتوثّق التجارب، وتنقل الحكمة، وتُخلّد المشاعر. وليس أبلغ من المتنبى حين قال، مفتخرًا بسيفه وقلمه: «الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ»  وقال غيره، مُبرراً قيمة العلم والكتابة: «العِلمُ صيدٌ، والكتابةُ قَيدُهُ فقيِّدْ صَيدَكَ بالحِبالِ الواثِقةْ»  ومهما تعدّدت أدوات الكتابة، وتنوّعت وسائطها، تبقى الكلمة الصادقة نبضًا في عروق الأمم، وقوّةً خفية تُحرّك الساكن، وتوقظ الغافل، وتصنع الفرق.