(المؤسس) !!
في عام 1916 بمدينة لندن وُلد المؤرخ والمستشرق البريطاني- أمريكي برنارد لويس، هذا الشخص الذي كان له فيما بعد تأثيرٌ قوي على مستقبل منطقة الشرق الأوسط الذي هو حاضرنا اليوم. هذا الرجل المنحدر من أسرة يهودية هو المقترح الأول لمشروع تقسيم الدولة العربية والإسلامية إلى كيانات طائفية وعرقية صغيرة وهو المخطَّط الذي عرف فيما بعد بـ (مخطط برنارد لويس)، وهو (مشروع الشرق الأوسط الجديد). أتقن هذا الشخص أكثر من 15 لغة، كان أهمها العربية التي استطاع من خلالها دراسة تاريخ وشئون الشرق الأوسط حيث قضى قرابة قرن الزمان، هو عمره، أفناه في التحديق إلى العالم الإسلامي والتفكير في كيفية الحد من تمدده وتقويض قدراته ككيان مهدد للعالم الغربي من وجهة نظر عنصرية ذات منطلقات عقدية نصرانية يهودية ماسونية. عمل لويس مستشاراً متطوعاً بلا تكليف رسمي لصناع القرار في أمريكا وكان مقرباً من ديك تشيني وهو أحد السياسيين الأمريكيين المحافظين وهو من أعضاء الحزب الجمهوري، وقد زاد تقربه من مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر. إذاً هذا الرجل يعتبر هو المؤسس لفكرة تغيير خارطة العالم والشرق الأوسط وما يهمنا هو وضعه خارطة جديدة تقسم السودان إلى دول ضعيفة بغرض نهب ثرواته، تعمل مليشيا الدعم السريع الآن على تنفيذها بإعلانها حكومة موازية مقرها دارفور.
برنارد لويس وإعلان (تأسيس)..!
ما قادني للدخول إلى هذا الموضوع باتخاذ برنارد لويس كمدخل للحديث عن إعلان (حكومة تأسيس) الذي تم الأسبوع الجاري من مدينة نيالا، من قبل مليشيا الدعم السريع، هو علاقة حكومة تأسيس بـ(برنارد لويس) وهي علاقة غير مباشرة الاتصال لكنها وثيقة المضمون، فهؤلاء العملاء المرتزقون ينفذون بالحرف والشولة كل ما جاء في أجندته الداعية لتفكيك الدول العربية والإسلامية، ولا يخرج عن دائرة مشروعه التفكيكي استهداف الدول الإفريقية ذات الثروات التي هي هدف المستعمر الغربي الذي ظل يتشكل في أساليب (مص دماء) الدول الإفريقية والإسلامية بنشر الفتن للاستئثار بثرواتها. فالناظر بعمق لمشروع مليشيا الدعم السريع وخلفيتها السياسية يرى أن الأيادي الحقيقية التي تحرك الملعب يعود أصلها إلى ذلك المشروع، نحن في حقيقة الأمر نُدار بحنكة بالغة ويسيطَر علينا تماماً من تلك الجهات من خلال فرض واقع الحروب والفتن التي لا نفتأ نخرج من إحداها حتى ندخل في الأخرى. فإذا تأملت فكرة إعلان حكومةٍ في (الهواء) كحكومة تأسيس، تجد أن المُخرِج لهذا الأمر لا يفوت عليه أن ردة الفعل من الحكومة السودانية والشعب السوداني ستكون هي السخرية والاستخفاف، لأن واقع الأمر يقول إن مليشيا الدعم السريع والحاضنات السياسية لها وكل المكونات المتحالفة معها الآن لا تمثل ثِقلاً في ميدان الحرب ولا السياسة، فمليشيا الدعم السريع ظلت طيلة السنة الفائتة تتلقى الهزائم المتتالية يوماً بعد يوم وتفقد المواقع واحداً تلو الآخر، فإعلانها لحكومة موازية وهيكلتها بتسكين وظيفي متكامل يبدأ رئيس للمجلس الرئاسي ونائبه ورئيس مجلس الوزراء، يُعد شيئاً من مظاهر اليأس أو التخبط من أثر الهزيمة، حسب التحليل المنطقي العام، لكن قراءةً أخرى لهذا الإعلان تقول إن هنالك مشروع بعيد المدى، تُحشد له الأفكار الآن لتغيير آلية الحرب من عسكرية مباشرة إلى طرق أخرى، تنتهي إلى (مشروع برنارد لويس) الذي اجتمعت عليه أذهان الغرب المستعمر
.تنفيذ المخطط..!
قد يجهل كثيرون أن برنارد لويس قد وضع خطة تقسيمية للسودان، تتمثل في تقسيمه إلى دويلات صغيرة، فالسودان بمساحته الشاسعة وثرواته غير المحدودة يمثل نواة لدولة عظمى، هذا بالطبع إذا استطاع شعبه أن يرقى لمستوى عظمة هذه البقعة المختلفة من العالم!! ومشروع تقسيم السودان هدفه صنع دويلات صغيرة تُضعِف المركز ويسهل زرع الفتن فيما بينها فيما بعد, وقد اقترح لويس في مشروعه تقسيم السودان إلى أربع دويلات يكون التقسيم فيها على أسس دينية وعرقية حتى لا يجمع بين هذه الدويلات نقاط مشتركة تجنُّباً لاحتمال اتحادها في المستقبل، وقد حدد لويس كل دولة وعاصمتها، جغرافياً وعرقياً، ما يؤكد أن هذا المشروع الذي خضع لدراسة وافية، شبه جاهز من حيث الإعداد وتبقى تنفيذه ما سنحت الفرصة. وهذه الحرب التي تدور الآن كانت بمثابة خطوات نحو هذا التنفيذ، حسب أحلامهم!!(دويلة دارفور) التي تشمل ولايات دارفور كلها، كانت إحدى أهم الدول التي اقترحها لويس وهي تقع في محيط حكومة (تأسيس) التي إعلانها من قبل مليشيا الدعم السريع، الأمر الذي يجعل الناظر لإعلان هذه الدولة قادراً على الربط بين هذا الحدث وذلك المخطط!!
أما بقية الدويلات التي تم تقسيم السودان إليها من قبل مقترح برنارد لويس الذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي عام 1983 فهي (دويلة الشمال السوداني الإسلامي) وتشمل المناطق ذات الأغلبية المسلمة في شمال السودان. و(دولة النوبة) الممتدة من السودان إلى مصر، و(دويلة جنوب السودان) ذات المكون المسيحي. وقد تم تنفيذ ربع هذا المخطط بفصل (جنوب السودان) عام 2011م والدولة الثانية التي تأتي في تنفيذ مشروع التقسيم وكما يُقرأ من الأحداث هي (دارفور) وما إعلان (تأسيس) إلا تأسيس فعلي، (وإن كان واهماً) لإقامة دولة (برنارد لويس).
حكومة بلا شعب..!
مليشيا الدعم السريع تتم إبادتها الآن بأيدي الجيش السوداني وشعبه الذي لبَّى النداء مستنفراً، ومن لم يستنفر منه أرسل روحه إلى سوح المعارك، مؤيداً، وأرسل أياديه إلى السماء داعياً الله عزَّ وجل لنصر قواته المسلحة. هذه الحكومة الأثيرية إذا أنزلت على الأرض فلن تجد شعباً لتحكمه، وهذا الأمر يُعد مستحيلاً لما وصلت إليه الحرب الآن من نهايات لاحت تحمل رايات الانتصار الساحق للجيش السوداني. لا يقلل هذا التقرير من نظرة الساخرين من إعلان هذه الحكومة، التي هي في الأساس لا تُعتبر حكومة قانونية وفقًا للمعايير الدستورية المعترف بها دوليًا، والذين يروْن أنها ضربٌ من الأنفاس الأخيرة لجسد المليشيا المتمدد في نعش الهزيمة، لكنها محاولة لفتح أفق آخر للنظر لهذه الحرب التي تجلى ارتباطها بمخطط كبير ربما يتصل في أصله بسجلات تاريخية عن السياسة العالمية في تشكيل خارطة العالم بما يتماشى مع مصالح الدول الكبرى، سجلات وجب علينا الآن إعادة قراءتها لاستبانة الرؤية عبر الضباب الذي يحيط مجريات الأحداث في الكرة الأرضية التي تغدو للتحول لكرة من نار.