مشاركة
2 إستراتيجيات منذ يوم مركز الشهيد عثمان مكاوي

الدور المحورى لوسائل الإعلام الأفريقية

بقلم : عميد ركن محمد المرتضى الشيخ عبدالله أكاديميـــــــــــة نميري العسكريـــــــــــــــة العليا

تلعب وسائل الإعلام الأفريقية دورًا محوريًا في تشكيل رؤية نقدية وسيادية للتنمية، ويمكنها أن تكون أداة فاعلة في بلورة فكر اقتصادي تحرري ينبع من خصوصيات القارة ويتفاعل مع العالم، من أبرز الأدوار والآليات الممكنة:

أولاً: دور وسائل الإعلام في بناء رؤية نقدية وسيادية

• نقد النماذج المستوردة: 

فضح التناقضات في النماذج التنموية المفروضة من الخارج (كالنيوليبرالية أو التبعية للمؤسسات المالية الدولية)، وإبراز فشلها في تحقيق العدالة الاجتماعية أو الاستقلال الاقتصادي.

• تعزيز الحوار المحلي: 

 توفير منصات للحوار بين الخبراء الأفارقة والمجتمعات المحلية لصياغة مفاهيم تنموية تعكس الأولويات الحقيقية (مثل الأمن الغذائي، الاقتصاد التضامني، التكنولوجيا المحلية).

• كشف التبعيات الهيكلية: 

رصد كيفية استمرار هيمنة الشركات متعددة الجنسيات أو الديون الخارجية على سياسات الدول الأفريقية، كما فعلت تحقيقات حول «استنزاف الثروات» في قطاعات التعدين والزراعة.

• توثيق النماذج الناجحة: تسليط الضوء على تجارب محلية ناجحة (مثل سياسات التصنيع في إثيوبيا، أو التعاونيات الزراعية في السنغال) كنماذج قابلة للتكيف.

ثانياً: بلورة فكر اقتصادي تحرري من داخل أفريقيا

• إحياء الفكر الاقتصادي الأفريقي:

 العودة إلى إرث مفكرين مثل سامير أمين (نظرية التبعية)، أو جوليوس نيريري (الاشتراكية الأفريقية)، وربطها بالتحديات المعاصرة مثل الرقمنة والتحول الأخضر.

• الاقتصاد المؤسسي: 

تشجيع الأبحاث الإعلامية التي تدرس كيفية تكييف المؤسسات التقليدية (مثل أنظمة التمويل الأصغر في غرب أفريقيا) لتعزيز التنمية المحلية.

• التركيز على السيادة الاقتصادية: الترويج لمفاهيم مثل «التصنيع الموجه محليًا» أو «التجارة البينية الأفريقية» (في إطار منطقة التجارة الحرة القارية AfCFTA)، بدلًا من الاعتماد على تصدير المواد الخام.

• التحالفات الإعلامية-الأكاديمية: 

بناء شبكات بين الصحفيين الاستقصائيين والمراكز البحثية (مثل المعهد الأفريقي للتنمية الاقتصادية) لإنتاج محتوى يعكس البيانات والسياقات المحلية.

 ثالثاً: التفاعل مع النظام العالمي

• إعادة صياغة السردية الأفريقية: مواجهة الصورة النمطية عن أفريقيا كـ»قارة عاجزة» عبر قصص تبرز قدراتها على الابتكار (مثل قطاعات التكنولوجيا المالية في كينيا أو نيجيريا).

• الضغط الإعلامي الدولي: كشف اللامساواة في النظام المالي العالمي (مثل شروط صندوق النقد الدولي)، والمطالبة بإصلاحات تعكس مصالح أفريقيا، كإعادة هيكلة الديون أو فرض ضرائب عادلة على الشركات الأجنبية.

• التعاون الجنوب-جنوب: توثيق ونشر تجارب تعاون أفريقي مع أمريكا اللاتينية أو آسيا (مثل مشاريع البنية التحتية مع الصين أو الهند) بمنظور نقدي يضمن تحقيق المنفعة المتبادلة.

• التحديات وسبل التغلب عليها:

• التمويل المستقل: تجاوز الاعتماد على الإعلانات الأجنبية أو التمويل الخارجي الموجه عبر إنشاء نماذج تمويل جماعي أو دعم من الحكومات المحلية.

• التدريب المتخصص: تطوير كوادر إعلامية قادرة على تحليل الاقتصاد السياسي، بالشراكة مع جامعات أفريقية.

• التكنولوجيا الرقمية: توظيف المنصات الرقمية لتجاوز الحدود، كما فعلت مبادرات مثل «أفريقيا بلوس» (Africa Plus) التي تنشر تحليلات اقتصادية بلغات محلية.

نقاط القوة والفرص التي يمكن أن تلعب دورا محوريا في ذلك الفكر الاقتصادي التحرري

لتحقيق رؤية تنموية نقدية وسيادية في أفريقيا، يمكن الاعتماد على نقاط قوة داخلية وفرص خارجية تمثل روافع حقيقية للتغيير. هنا أبرزها:

أولًا: نقاط القوة الداخلية

• الثروة الديموغرافية (القوة البشرية)

-  أفريقيا هي القارة الأصغر سنًا (60% من السكان تحت 25 سنة)، مما يوفر قوة عمل ديناميكية وفرصة للابتكار.

- أمثلة: نجاح الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) مثل «إم-بيسا» (M-Pesa) في كينيا.

• الموارد الطبيعية والزراعية

 - متلك أفريقيا 30% من الاحتياطيات المعدنية العالمية، و60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة.

 - إمكانية التحول من تصدير المواد الخام إلى سلاسل قيمة محلية (مثل معالجة الكاكاو في ساحل العاج بدل تصديره خامًا).

• التنوع الثقافي والاقتصادات التقليدية:الأنظمة الاقتصادية المحلية (مثل «التونتينا» في غرب أفريقيا أو التعاونيات النسائية) يمكن أن تكون نماذج لـاقتصاد تشاركي مقاوم للأزمات.

• التكامل الإقليمي الناشئ: منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) تخلق سوقًا بـ 1.3 مليار مستهلك، مما يعزز التصنيع المحلي ويقلص التبعية للخارج.

• الابتكار المحلي والتكنولوجيا: مبادرات مثل الطاقة المتجددة اللامركزية (مشاريع الطاقة الشمسية في المغرب ورواندا) أو الذكاء الاصطناعي (منصات التشخيص الطبي في جنوب أفريقيا).

ثانيًا: الفرص الخارجية

• إعادة هيكلة النظام العالمي: الصراعات الجيوسياسية (مثل الحرب في أوكرانيا) كشفت اعتماد العالم على سلاسل التوريد المركزية، مما يفتح الباب لـبدائل أفريقية في الزراعة والصناعة.

• التحالفات الجنوب-جنوب: التعاون مع دول مثل الهند (في مجال الأدوية والعقاقير الطبية) أو البرازيل (في الزراعة التكيفية) لنقل تكنولوجيا منخفضة التكلفة.

• التمويل البديل: توجه بعض الدول الأفريقية (مثل زيمبابوي وغانا) إلى العملات الرقمية الوطنية أو نظام المقايضة لدعم التجارة البينية.

• الضغط على المؤسسات المالية الدولية: نمو الدعوات العالمية لإصلاح نظام الديون (مبادرة إيقاف خدمة الديون خلال جائحة كوفيد-19 نموذجًا).

• الاستثمار في الاقتصاد الأخضر: أفريقيا يمكن أن تكون رائدة في التعدين الأخضر (مثل الكوبالت لبطاريات السيارات الكهربائية) أو تعويضات الكربون عبر غابات الكونغو.

ثالثاً: كيفية توظيف هذه العناصر؟

• الإعلام: تسليط الضوء على قصص النجاح المحلية (مثل رواندا في تصنيع الدراجات النارية) لتحفيز الثقة بالنموذج الأفريقي.

• التعليم: دمج الاقتصاد المحلي في المناهج الدراسية (مثل تجربة «مدرسة الأفارقة للاقتصاد» في بنين).

• السياسات: تشجيع الحكومات على تبني شراء محلي (مثل قانون «صنع في نيجيريا») وحماية الصناعات الناشئة.

رابعاً: التحديات التي تتطلب تركيزًا

• الهروب الضريبي: تفقد أفريقيا 89 مليار دولار سنويًا بسبب التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات (حسب تقرير الأمم المتحدة).

• البنية التحتية: ضعف الطرق والكهرباء يعيق التكامل الإقليمي، لكن المشاريع الصينية (وإن كانت مثيرة للجدل) تظهر أن الحلول ممكنة.

الخلاصة: 

وسائل الإعلام الأفريقية ليست ناقلة للأخبار فحسب، بل يمكنها أن تكون فضاءً لتجريب الأفكار ومختبرًا للبدائل،  الفكر الاقتصادي التحرري الفعال يجب أن ينطلق من نقاط القوة الداخلية (كالثروة البشرية والموارد الطبيعية المُدارة محليًا)، بينما يشارك في إعادة تشكيل النظام العالمي عبر تحالفات إستراتيجية. نجاح هذا المسار يتطلب جرأة في نقد الداخل والخارج معًا.

أفريقيا ليست بحاجة إلى «معجزة»، بل إلى توظيف استراتيجي لإمكانياتها مع تحرير الإرادة السياسية والإعلامية من الهيمنة الخارجية.