مشاركة
13 من القول منذ أسبوع مركز الشهيد عثمان مكاوي

الأمن نعمة تستحق الشكر

بقلم : بقلم : عقيد دكتور ركن أحمد يوسف النور

مَن عاش بدايات الحرب وويلاتها، ووقف على مشاهد الخراب والدمار والنزوح والتشريد الذي أحدثته مليشيا الدعم السريع المتمردة، يدرك أن ما نحن عليه اليوم في كثير من ولايات السودان لا يستوجب سجدة شكر واحدة، بل سجدات، اعترافاً وامتناناً بنعمة الأمن والاستقرار.

كانت أياماً حالكة، عاش فيها المواطنون تحت رحمة أصوات المدافع ودوي الانفجارات، ومشاهد الموت التي لم تغب لحظة، وجوه مرعوبة، وقلوب خائفة، ومرافق وبيوت هُدّمت، وأسر تفرّقت، وأعراض انتُهكت، وممتلكات نُهبت وخُرّبت. تفننت المليشيا في القتل والتعذيب والترويع، وأطلقت حملات إعلامية شرسة للإرهاب والتخويف.

لكن، وبدحر هذه المليشيا بفضل الله أولاً، ثم ببسالة القوات المسلحة والمساندين لها، وبتلاحم الصف الوطني، بدأت الولايات التي كانت تحت سيطرة المتمردين تتنفس الصعداء، وبدأت قوافل العائدين من النزوح واللجوء تعود إلى ديارها، وبدأت الحياة تدبّ من جديد في أوصال الوطن المنهك.

غير أن المقلق هو عودة بعض الممارسات السالبة، وكأن شيئًا لم يكن. من مظاهر اللبس غير المحتشم، والحفلات الصاخبة حتى الفجر، إلى الغناء والرقص في الطرقات – كما في شارع النيل بأمدرمان – وعودة «الجنبات» في الأماكن العامة، وهي سلوكيات كنا نظن أن الحرب دفنتها.

هذه ليست حرية، بل استخفاف بنعمة الأمن، وتجاوز لحدود اللياقة والمسؤولية. وهي نذير بأننا لم نعتبر من الدرس، وقد تجرّنا هذه الممارسات إلى مربع الفوضى من جديد، إن لم تُواجه بالحسم والحكمة.

الدولة مطالبة بممارسة دورها من خلال أجهزتها الأمنية والقانونية، لضبط الشارع العام، وفرض هيبة القانون. والإعلام بدوره يتحمل مسؤولية كبيرة فى التوعية والتنوير، ومخاطبة الناس بلغة تعقل تذكّرهم بأن الأمن لم يكن مجاناً، بل كان ثمنه الدماء والتضحيات.

أما المنابر الدينية، فعليها أن تنهض بدورها التربوى، لا أن تكتفي بالحديث العام، بل أن تُسهم بوضوح فى التصدي لهذه الظواهر المنحرفة، بخطاب دعوى مسؤول وموجَّه.

والأسر كذلك، يجب أن تُذكّر أبناءها بقيم الحياء والانضباط، وتغرس فيهم أن الأمن نعمة عظيمة لا تُستغل في التسيّب، بل تُصان بالاحترام والمسؤولية. فكلنا مسؤول عن حماية المجتمع من الانزلاق مجدداً  إلى الفوضى، والإصلاح يبدأ من الوعى الجمعى.

ولعل من أعظم الشواهد على قيمة الأمن أن الله تعالى لم يمتنّ على قريش بشيء كما امتنّ عليهم بالأمن، فقال: «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف». بل وعد سبحانه عباده المؤمنين، أن يستبدل خوفهم أمنًا، إن هم أخلصوا له العبادة، فقال:

«وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم فى الأرض... وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً « (النور: 55).

ختامًا، لا يعرف قيمة الأمن إلا من ذاق مرارة فقده. فلنشكر الله على ما أنعم، ولنسعَ جميعاً لصون هذه النعمة، فدوامها بالشكر، وزوالها يبدأ من الغفلة عنها.